فصل: مسألة في دخول الهمزة على (لم):

صباحاً 5 :25
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
3
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.مسألة في دخول الهمزة على (لم):

وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى لَمْ أَفَادَتْ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّنْبِيهُ وَالتَّذْكِيرُ نَحْوُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}.
وَالثَّانِي: التَّعَجُّبُ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ كَقَوْلِكَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا وَيَعْمَلُ كَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ مِنْهُ وَكَيْفَ كَانَ فَهِيَ تحذير.

.(أَمْ):

حَرْفُ عَطْفٍ نَائِبٌ عَنْ تَكْرِيرِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ نَحْوُ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌو؟
وَقِيلَ: إِنَّمَا تُشْرِكُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ كَمَا تُشْرِكُ بَيْنَهَا (أَوْ).
وَقِيلَ: فِيهَا مَعْنَى الْعَطْفِ وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ كَالْأَلِفِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لِأَجْلِ مَعْنَى الْعَطْفِ.
وَقِيلَ هِيَ (أَوْ) أبدلت الميم مِنَ الْوَاوِ لِيُحَوَّلَ إِلَى مَعْنًى يُرِيدُ إِلَى مَعْنَى (أَوْ).
وَهِيَ قِسْمَانِ: مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ:
فَالْمُتَّصِلَةُ: هِيَ الْوَاقِعَةُ فِي الْعَطْفِ وَالْوَارِدُ بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِفْهَامُ عَنِ التَّعْيِينِ فَلِهَذَا يُقَدَّرُ بِأَيْ وَشَرْطُهَا أَنْ تَتَقَدَّمَهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُفْرَدًا أَوْ فِي تَقْدِيرِهِ.
وَالْمُنْفَصِلَةُ: مَا فُقِدَ فِيهَا الشَّرْطَانِ أَوْ أحدهما وتقدر بـ: (بَلْ) وَالْهَمْزَةُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي كَيْفِيَّةِ تقدير المنفصلة في ثلاث مَذَاهِبَ حَكَاهَا الصَّفَّارُ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تُقَدَّرُ بِهِمَا وَهِيَ بِمَعْنَاهُمَا فَتُفِيدُ الْإِضْرَابَ عَمَّا قَبْلَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ كَـ: (بَلْ) وَالِاسْتِفْهَامَ عَمَّا بَعْدَهَا وَمِنْ ثَمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَفْهِمَ مُبْتَدِئًا كَلَامَكَ بِـ: (أَمْ) وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ كَلَامٍ لِإِفَادَتِهَا الْإِضْرَابَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَالْفَارِقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (بَلْ) أَنَّ مَا بَعْدَ (بَلْ) مَنْفِيٌّ وَمَا بَعْدَ أَمْ مَشْكُوكٌ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ بَلْ خَاصَّةً والاستفهام محذوف بعدها وليست مُفِيدَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي مَعَانِي القرآن.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا بِمَعْنَى الْهَمْزَةِ وَالْإِضْرَابُ مَفْهُومٌ مِنْ أَخْذِكَ فِي كَلَامٍ آخَرَ وَتَرْكِ الْأَوَّلِ.
قَالَ الصَّفَّارُ: فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يُعْطِي فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ فَيَبْقَى التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ كَلَامِهِمْ إِنَّهَا لَإِبِلٌ أَمْ شَاءٌ.
وَيَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي حَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنِ الِاسْتِفْهَامِ وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَّصِلَةَ يَصِيرُ مَعَهَا الِاسْمَانِ بِمَنْزِلَةِ (أَيْ) وَيَكُونُ مَا ذُكِرَ خَبَرًا عَنْ (أَيْ) فَإِذَا قُلْتَ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ؟ أَمْ عَمْرٌو؟ فَالْمَعْنَى أَيُّهُمَا عِنْدَكَ؟ وَالظَّرْفُ خَبَرٌ لَهُمَا.
ثُمَّ الْمُتَّصِلَةُ تَكُونُ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى مِثْلِهِ نَحْوُ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌو كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خير أم الله الواحد القهار}، أَيْ أَيُّ الْمَعْبُودِينَ خَيْرٌ وَفِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَأَوَّلَتَيْنِ بِالْمُفْرَدِ نَحْوُ: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شجرتها أم نحن المنشئون}، أَيِ الْحَالُ هَذِهِ أَمْ هَذِهِ؟
وَالْمُنْقَطِعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى عَطْفِ الْجُمَلِ وَهِيَ فِي الْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ بِمَثَابَةِ بَلْ وَالْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهَا فِي الْقُرْآنِ التَّوْبِيخُ كَمَا كَانَ فِي الْهَمْزَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أم اتخذ مما يخلق بنات} أَيْ بَلْ أَتَّخَذَ؟ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهَا خَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِهَا التَّوْبِيخُ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَجَرَى عَلَى كَلَامِ الْعِبَادِ.
وَقَوْلِهِ: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا ريب فيه} ثم قال: {أم يقولون افتراه} تَقْدِيرُهُ بَلْ أَيَقُولُونَ؟ كَذَا جَعَلَهَا سِيبَوَيْهِ مُنْقَطِعَةً لِأَنَّهَا بَعْدَ الْخَبَرِ.
ثُمَّ وَجَّهَ اعْتِرَاضًا: كَيْفَ يستفهم الله عَنْ قَوْلِهِمْ هَذَا وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُرِيدُ أَنَّ فِي كَلَامِهِمْ يَكُونُ الْمُسْتَفْهِمُ مُحَقِّقًا لِلشَّيْءِ لَكِنْ يُورِدُهُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يتذكر أو يخشى} وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يَخْشَى لَكِنَّهُ أَرَادَ لَعَلَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي رَجَائِكُمَا.
وَقَوْلِهِ: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تَقْدِيرُهُ بَلْ أَتَّخَذَ؟ بِهَمْزَةٍ مُنْقَطِعَةٍ لِلْإِنْكَارِ وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى بَلْ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ كَقَوْلِهِ تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض} وَمَا بَعْدَهَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ.
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى بَلْ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يقولون شاعر} وقوله: {أم كان من الغائبين} وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ من هذا الذي هو مهين} بِمَعْنَى بَلْ وَلَيْسَ بِحَرْفِ عَطْفٍ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعَانِي: الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ وَحِينَئِذٍ تَمَّ الْكَلَامُ وَفِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ وَالْأَصْلُ: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} أَمْ تُبْصِرُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {أَنَا خَيْرٌ}.
قُلْتُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ مُنْقَطِعَةً وَعَلَى الثَّانِي مُتَّصِلَةً.
وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: إِنَّهَا زَائِدَةٌ وَإِنَّ التَّقْدِيرَ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ! وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمْ عَنِ اسْتِوَاءِ عِلْمِهِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ.
الشَّكُّ فِي تَبَصُّرِهِمْ بَعْدَ مَا مَضَى كَلَامُهُ عَلَى التَّقْرِيرِ وَهُوَ مُثْبَتٌ وَجَوَابُ السُّؤَالِ بَلَى فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الشَّكُّ فِي تَبَصُّرِهِمْ قَالَ: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}.
وَسَأَلَ ابْنُ طَاهِرٍ شَيْخَهُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ الرَّمَّاكِ: لِمَ لَمْ يَجْعَلْ سِيبَوَيْهِ أَمْ مُتَّصِلَةً! أَيْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ؟ أَيْ أَيُّ هَذَيْنِ كَانَ مِنْكُمْ؟ فَلَمْ يُحْرِ جَوَابًا، وَغَضِبَ وَبَقِيَ جُمُعَةً لَا يُقَرِّرُ حَتَّى اسْتَعْطَفَهُ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَ فَاسْتَفْهَمَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ ظن أنهم يبصرون لأنه معنى وقوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ}، فَأَضْرَبَ عَنِ الْأَوَّلِ وَاسْتَفْهَمَ كَذَلِكَ أَزْيَدٌ عِنْدَكَ أَمْ لَا؟
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِبْصَارُ وَعَدَمُهُ مُتَعَادِلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَدْءِ بِالنَّفْيِ مَعْنًى فَلَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً.
وَقَدْ تَحْتَمِلُ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْقَطِعَةَ كَمَا قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ} قَالَ الْوَاحِدِيُّ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ قَبْلَهُ اسْتِفْهَامًا رد عليه وهو قوله: {ألم تعلم} وَإِنْ شِئْتَ مُنْقَطِعَةً عَمَّا قَبْلَهَا مُسْتَأْنَفًا بِهَا الِاسْتِفْهَامُ فَيَكُونُ اسْتِفْهَامًا مُتَوَسِّطًا فِي اللَّفْظِ مُبْتَدَأً فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مصر} الآية ثم قال: {أم أنا خير} انْتَهَى.
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ إِنَّهَا هاهنا مُنْقَطِعَةٌ إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ هَمْزَةٌ تَقَعُ مَوْقِعَهَا وَمَوْقِعُ أَمْ أَيُّهُمَا وَالْهَمْزَةُ فِي قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} لَيْسَتْ مِنْ أَمْ فِي شَيْءٍ وَالتَّقْدِيرُ بَلْ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا فَخَرَجَ بِـ: (أَمْ) مِنْ كَلَامٍ إِلَى آخَرَ.
وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ}.
وَقَوْلِهِ: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارة أخرى}.
وَمَعْنَى أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ كَقَوْلِهِ تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} أَيْ تُرِيدُونَ؟
وَقَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجنة} وقوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، أَيْ أَيَحْسُدُونَ؟
وَقَوْلِهِ: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أم زاغت عنهم الأبصار} أي زاغت عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ؟
وَقَوْلِهِ: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ البنون} أَيْ أَلَهُ!
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} أَيْ أَتَسْأَلُهُمْ أَجْرًا؟
وَقَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} قِيلَ: أَيْ أَظَنَنْتَ هَذَا؟ وَمِنْ عَجَائِبِ رَبِّكِ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ!
وَقِيلَ: بِمَعْنَى أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ كَأَنَّهُ قَالَ أَحَسِبْتَ؟ وَحَسِبْتَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تُخَاطِبُهُ: أَعَلِمْتَ أَنَّ زَيْدًا خَرَجَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيِ اعلم أن زيد خَرَجَ فَعَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ يَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمِ اتخذ مما يخلق بنات} تَقْدِيرُهُ بَلْ أَتَّخَذَ بِهَمْزَةٍ مَقْطُوعَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ هَمْزَةَ وَصْلٍ لَصَارَ إِثْبَاتًا تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ أَمِ الْمُنْقَطِعَةُ بِمَعْنَى بَلْ وَحْدَهَا دُونَ الْهَمْزَةِ وَمَا بَعْدَ بَلْ مُتَحَقِّقٌ فَيَصِيرُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ مُتَحَقِّقًا تَعَالَى الله عن ذلك.

.مسألة في ضرورة تقدم الاستفهام على (أم):

أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا اسْتِفْهَامٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَالَّذِي فِي مَعْنَاهُ التَّسْوِيَةُ فَإِنَّ الَّذِي يَسْتَفْهِمُ اسْتَوَى عِنْدَهُ الطَّرَفَانِ وَلِهَذَا يسأل وكذا المسئول استوى عنه الْأَمْرَانِ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ الْمُعَادَلَةَ تَقَعُ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ وَبَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَالْجُمْلَتَانِ يَكُونَانِ اسْمِيَّتَيْنِ وَفِعْلِيَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَادِلَ بَيْنَ اسْمِيَّةٍ وَفِعْلِيَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الِاسْمِيَّةُ بِمَعْنَى الْفِعْلِيَّةِ أَوِ الْفِعْلِيَّةُ بِمَعْنَى الِاسْمِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} أَيْ أَمْ صَمَتُّمْ.
وَقَوْلِهِ: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أنا خير} لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا لَهُ أَنْتَ خَيْرٌ كَانُوا عِنْدَهُ بُصَرَاءَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنْتُمْ بُصَرَاءُ؟
قَالَ الصَّفَّارُ: إِذَا كَانَتِ الْجُمْلَتَانِ مُوجَبَتَيْنِ قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مَنْفِيَّةً أَخَّرْتَهَا فَقُلْتَ أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ لَمْ يَقُمْ وَلَا يَجُوزُ أَلَمْ يَقُمْ أَمْ لَا ولا سواء على ألم ثم أَمْ قُمْتَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ سَوَاءٌ عَلَيَّ أَقُمْتَ أَمْ لَا يُرِيدُونَ أَمْ لَمْ تَقُمْ فَيَحْذِفُونَ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا سَوَاءٌ عَلَيَّ أَمْ قُمْتَ لِأَنَّهُ حُذِفَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَحُمِلَتْ سَائِرُ الْمَوَاضِعِ الْمَنْفِيَّةِ عَلَى هَذَا.
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الِاسْتِفْهَامُ أَوِ التَّسْوِيَةُ بِخِلَافِ أَوْ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُهَا كُلُّ كَلَامٍ إِلَّا التَّسْوِيَةَ فَلَا تَقُولُ سَوَاءٌ عَلَيَّ قُمْتَ أَوْ قَعَدْتَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ سَوَاءً.

.مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الصَّفَّارُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ السؤال أو غير السؤال بـ: (أم).
فَإِذَا قُلْتَ: أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌو فَجَوَابُ هَذَا زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو وَجَوَابُ أَوْ نَعَمْ أولا وَلَوْ قُلْتَ فِي جَوَابِ الْأَوَّلِ نَعَمْ أَوْ لَا كَانَ مُحَالًا لِأَنَّكَ مُدَّعٍ أَنَّ أَحَدَهُمَا عِنْدَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو فِي جَوَابِ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو؟
قُلْتُ: يَكُونُ تَطَوُّعًا بِمَا لَا يَلْزَمُ وَلَا قِيَاسَ يَمْنَعُهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: وَضْعُ أَمْ لِلْعِلْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِخِلَافِ أَوْ فَأَنْتَ مَعَ أَمْ عَالِمٌ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا عِنْدَهُ مُسْتَفْهِمٌ عَنِ التَّعْيِينِ وَمَعَ أَوْ مُسْتَفْهِمٌ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ فِي الْخَبَرِ فَإِذَا قُلْتَ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَوْ عَمْرٌو فَمَعْنَاهُ هَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عِنْدَكَ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ جَوَابُهُ نَعَمْ أَوْ لَا مُسْتَقِيمًا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَقِيمًا فِي أَمْ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنِ التَّعْيِينِ.

.(إِذَنْ):

نَوْعَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إِنْشَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الِارْتِبَاطُ مِنْ غَيْرِهَا نَحْوُ أَزُورُكَ فَتَقُولُ إِذَنْ أُكْرِمَكَ وَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَامِلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ الْمُسْتَقْبَلَ إِذَا صُدِّرَتْ وَلَمْ تُفْصَلْ وَلَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ حَالًا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِجَوَابٍ ارْتَبَطَ بِمُقَدَّمٍ أَوْ مُنَبِّهَةً عَلَى سَبَبٍ حَصَلَ فِي الْحَالِ وَهِيَ فِي الْحَالِ غَيْرُ عَامِلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤَكِّدَاتِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَالْعَامِلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَحْوُ إِنْ تَأْتِنِي إِذَنْ آتِكَ وَاللَّهِ إِذَنْ لَأَفْعَلَنَّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ لَفُهِمَ الِارْتِبَاطُ.
وَتَدْخُلُ هَذِهِ على الاسمية نحو أزورك فتقول إن أَنَا أُكْرِمُكَ.