الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى: {وتَجعلونَ له أندادًا} قد شرحناه في [البقرة: 22] و{ذلك} الذي فعل ما ذُكر {ربُّ العالَمَين}.{وجعل فيها رواسيَ} أي: جبالًا ثوابت من فوق الأرض، {وبارك فيها} بالأشجار والثمار والحبوب والأنهار، وقيل: البَرَكة فيها: أن ينميَ فيها الزرع، فتخرج الحبّة حبّات، والنواة نخلةً {وقدَّر فيها أقواتَها} قال أبو عبيدة: هي جمعُ قوت، وهي الأرزاق وما يُحتاج إليه.وللمفسرين في هذا التقدير خمسة أقوال:أحدها: أنه شقَّق الأنهار وغرس الأشجار، قاله ابن عباس.والثاني: أنه قسم أرزاق العباد والبهائم، قاله الحسن.والثالث: أقواتها من المطر، قاله مجاهد.والرابع: قدَّر لكل بلدة ما لم يجعله في الأخرى كما أنَّ ثياب اليمن لا تصلح إلا باليمن والهرويَّة بهراة، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة، والضحاك.والخامس: قدَّر البُرَّ لأهل قُطْرٍ، والتَّمْر لأهل قُطْرٍ، والذُّرَة لأهل قُطْرٍ، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {في أربعة أيّام} أي: في تتمة أربعة أيّام.قال الأخفش: ومثله أن تقول: تزوجت أمس امرأة، واليومَ ثنتين، وإحداهما التي تزوجتها أمس.قال المفسرون: يعني: الثلاثاء والأربعاء، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام.قوله تعالى: {سواءً} قرأ أبو جعفر: {سواءٌ} بالرفع.وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: {سواءٍ} بالجر.وقرأ الباقون من العشرة: بالنصب قال الزجاج: من قرأ بالخفض، جعل {سواءٍ} من صفة الأيّام فالمعنى: في أربعة أيّامٍ مستوِياتٍ تامَّاتٍ؛ ومن نصب، فعلى المصدر؛ فالمعنى: استوت سواءً واستواءً؛ ومن رفع، فعلى معنى: هي سواءٌ.وفي قوله: {للسّائلِينَ} وجهان.أحدهما: للسائلين القوت، لأن كلًا يطلُب القوت ويسألُه.والثاني: لمن يسأل: في كم خُلقت الأرضُ؟ فيقال: خُلقتْ في أربعة أيّام سواء، لا زيادة ولا نقصان.قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} قد شرحناه في [البقرة: 29] {وهي دخان} وفيه قولان:أحدهما: أنه لمّا خلق الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما، فسمّاه سماءً.والثاني: أنه لمّا خلق الأرض أرسل عليها نارًا، فارتفع منها دخان فسما.قوله تعالى: {فقال لها وللأرض} قال ابن عباس: قال للسماء: أظْهِري شمسكِ وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقِّقي أنهاركِ، وأخْرِجي ثمارك، {طوعًا أو كَرْهًا قالتا أتينا طائعِين} قال الزجاج: هو منصوب على الحال، وإنما لم يقل: طائعات، لأنهنَّ جَرَيْنَ مجرى ما يَعْقِل ويميِّز كما قال في النجوم: {وكُلٌّ في فلك يسبحون} [يس: 40]، قال: وقد قيل: أتينا نحن ومَنْ فينا طائعين.{فقضاهنّ} أي: خلقهنّ وصنعهنّ، قال أبو ذئيب الهذلي:
معناه: عَمِلَهما وصَنَعهما.قوله تعالى: {في يومين} قال ابن عباس وعبد الله بن سلام: وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.وقال مقاتل: الأحد والإثنين، لأن مذهبه أنها خُلقتْ قبل الأرض.وقد بيَّنّا مقدار هذه الأيام في [الأعراف: 54].{وأوحى في كل سماءٍ أمرها} فيه قولان:أحدهما: أوحى ما أراد، وأمر بما شاء، قاله مجاهد، ومقاتل.والثاني: خَلَقَ في كل سماءٍ خَلْقَها، قاله السدي.قوله تعالى: {وزيَّنّا السماءَ الدنيا} أي: القُرْبى إلى الأرض {بمصابيحَ} وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج فسمِّي الكوكب مصباحًا لإضاءته {وحِفْظًا} قال الزجاج: معناه: وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حِفْظًا.قوله تعالى: {فإن أعرضوا} عن الإيمان بعد هذا البيان {فقُل أنذرتُكم صاعقةً} الصاعقة: المُهلِكُ من كل شيء؛ والمعنى: أنذرتُكم عذابًا مثلَ عذابهم.وإنما خَصَّ القبيلتين، لأن قريشًا يمُرُّون على قرى القوم في أسفارهم.{إذ جاءتهم الرُّسُل من بين أيديهم} أي: أتت آباءهم ومَنْ كان قبلهم {ومِنْ خَلْفهم} أي: من خلف الآباء، وهم الذين أُرسلوا إلى هؤلاء الُمهلَكين {ألاّ تعبُدوا} أي: بأن لا تعبُدوا {إلا اللهَ قالوا لو شاءَ ربُّنا} أي: لو أراد دعوة الخلْق {لأنزل ملائكةً}.قوله تعالى: {فاستكبَروا} أي: تكبَّروا عن الإِيمان وعَمِلوا بغير الحقِّ.وكان هود قد تهدَّدهم بالعذاب فقالوا: نحن نقدر على دفعه بفضل قوَّتنا.والآيات هاهنا: الحُجج.وفي الرِّيح الصَّرصر أربعة أقوال:أحدها: أنها الباردة، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك.وقال الفراء: هي الرِّيح الباردة تحرق كالنار، وكذلك قال الزجاج: هي الشديدة البرد جدًا؛ فالصَّرصر متكرِّر فيها البرد، كما تقول: أقللتُ الشيء وقلقلتُه، فأقللتُه بمعنى رفعتُه، وقلقلتُه: كرَّرتُ رفعه.والثاني: أنها الشديدةُ السَّموم، قاله مجاهد.والثالث: الشديدة الصَّوت، قاله السدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.والرابع: الباردة الشديدة، قاله مقاتل.قوله تعالى: {في أيّامٍ نَحِساتٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {نَحْساتٍ} بإسكان الحاء؛ وقرأ الباقون: بكسرها.قال الزجاج: من كسر الحاء، فواحدُهن {نَحِس}.ومن أسكنها فواحدُهن {نَحْس}؛ والمعنى: مشؤومات.وفي أوَّل هذه الأيّام ثلاثة أقوال:أحدها: غداة يوم الأحد، قاله السدي.والثاني: يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.والثالث: يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام.والخِزْي: الهوان.قوله تعالى: {وأمّا ثمودُ فهدَيناهم} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: بيَّنَّا لهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.وقال قتادة: بَيَّنَّا لهم سبيل الخير والشر.والثاني: دَعَوْناهم، قاله مجاهد.والثالث: دَللْناهم على مذهب الخير، قاله الفراء.قوله تعالى: {فاستَحبُّوا العمى} أي: اختاروا الكفر على الإِيمان، {فأخذتهم صاعقةُ العذاب الهُون} أي: ذي الهوان، وهو الذي يُهينهم.قوله تعالى: {ويومَ يُحْشَرُ أعداء الله} وقرأ نافع: {نَحْشُرُ} بالنون {أعداءً} بالنصب.قوله تعالى: {فهم يُوزَعونَ} أي: يُحْبَس أوَّلهم على آخرِهم ليتلاحقوا.{حتَّى إذا ما جاؤوها} يعني النار التي حُشروا إليها {شَهِدَ عليهم سمعُهم وأبصارُهم وجلودُهم}، وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال:أحدها: الأيدي والأرجل.والثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس.والثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي.وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون مِمَّ أضحك؟» قال: قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم قال: «من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يارب ألم تُجِرْني من الظُّلْم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: لا أُجيزُ عليَّ إلا شاهدًا منِّي، قال: فيقول: كفى بنفْسك اليومَ عليكَ شهيداٍ، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيُخْتَمُ على فِيه، فيقال لأركانه: انْطِقي، قال: فتَنْطقُ بأعماله، قال: ثُمَّ يُخَلَّى بينَه وبينَ الكلام، فيقول: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فعنكُنَّ كنتُ ًاناضِل».قوله تعالى: {قالوا أنطَقَنا اللهُ الذي أنطَق كُلَّ شيءٍ} أي: ممّا نطق.وهاهنا تم الكلام.وما بعده ليس من جواب الجلود.قوله تعالى: {وما كنتم تَستترون أن يَشهد عليكم سمْعُكم ولا أبصارُكم} روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: كنتُ مستترًا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفرٍ، قرشيٌّ وخَتْناه ثقفيَّان، أو ثقفيٌّ وختَنْاه قرشيّان، كثيرٌ شّحْمُ بُطونهم، قليلٌ فِقْهُ قُلوبهم، فتكلَّموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ كلامَنا هذا؟ فقال الآخران: إنّا إذا رفعنا أصواتنا سَمِعَه، وإن لم نَرفع لم يَسمع، وقال الآخر: إن سمع منه شيئًا سمعه كُلَّه، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تَستترون أن يشهد عليكم سمعكم} إلى قوله: {من الخاسرين} ومعنى {تستترون}: تَسْتَخْفون {أن يَشهد} أي: من أن يشهد {عليكم سَمْعُكم} لأنكم لا تَقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، ولا تظُنُّون أنها تَشهد {ولكن ظَنَنْتم أنَّ الله لا يَعلم كثيرًا مما تَعملون} قال ابن عباس: كان الكفار يقولون: إن الله لا يَعلم ما في أنفُسنا، ولكنه يعلم ما يَظهر، {وذلكم ظنُّكم} أي: أن الله لا يَعلم ما تعملون، {أرداكم} أهلككم.{فإن يَصْبِروا} أي: على النّار، فهي مسكنهم، {وإن يَسْتَعْتِبوا} أي: يَسألوا أن يُرجَع لهم إلى ما يحبُّون، لم يُرْجَع لهم، لأنهم لا يستحقُّون ذلك.يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إيّاي.واستعتبتُه، أي: طلبتُ منه أن يُعْتِب، أي: يَرضى. اهـ.
|